يتم التشغيل بواسطة Blogger.

الجمعة، 20 فبراير 2015

المسرح النفسي

المسرح النفسي
ازدحم الملعب بالمفترجين ، وحمي وطيس اللعب ، واندفعت الكرة كالصاروخ لتسجل هدفاً رائعاً ن وجن المتفرجين حماساً وقاموا قومة رجل واحد يصرخون ويصفقون ويقذفون بقبعاتهم في الهواء زوان هي الا خمس دقائق حتي انفجروا سخطاً يطالبون براس ((الاحمق)) في لحظة حرجة . 
 
وحول حلبة الملاكمة احتشد جمع غفير من الناس بعضهم في ملابس السهرة واناقتها وآخرون من عامة الشعب العاملين المتواضعين ، وحينما اشتدت الضربات ذابت الفروق بين المتفرجين وتلاشت واصبحوا رجلاً واحدا في حماستة ، بل وفي كلمات التوجية والاعجاب التي يعلقون بها علي اللاعبين . 
 
وعلي خشبة المسرح تتابعت حلقات التمثيل ، وهجم اللاجيء المسكين علي الواشي الخائن فأطبق بيديه علي رقبته ، وجمهور النظارة ينفعل مع حرارة الموقف ويكاد يمد يده ليخنق معه هذا الخائن النذل .
 
في كل هذة اللحظات الحامية يشعر المتفرج انه في قلب المعركة: علي ارض الملعب ينطلق مع الفريق ،وداخل حلبة الملاكمة يتبادل اللكمات ،وفوق خشبة المسرح يخنق الخائن . ويتلاشي من امام ناظرية كل تصرفاتة المحسوبة في المجتمع ، في المنزل وفي المكتب وفي الطريق ، ويدلف الي دنيا لا تربطها اية صلة بامور حياتة اليومية وتقاليدها.
 
 وربما كان الامر ، كما يقول علماء النفس بان رغبة الانسان في ان يهرب من رتابة حياتة وكآبتها ، وما يكتنفة من قلق التعاسة هي التي تدفع بالناس العاديين ان يخرجوا عن قيودهم ، الا انه مع ذلك لا شك في وجود التفاعل التلقائي ، حيث يحس المرء وكأن شيئاً ينتفخ في صدرة ،شيء يريد ان ينطلق ويعبرعن نفسه ، فاذا تم الانفجار العاطفي يحس بشعور من الراحة والصحة العقلية . 
 
من هذة الظاهرة وجد لدينا اساس الطريقة الجديدة لمعالجة مخزوني الفؤاد الذين يرزحون تحت القلق والخوف فتراودهم فكرة الانتحار ، ويطيعون هواتف الشر التي تطن في آذانهم وكأنها صادرة اليهم من حاكم آمر او شيطان عليهم ان يتبعوه ،ويعيشون في العالم كالسراب مثل تلك العوالم التي يضطرب فيها المتفرجون في الملاعب ، والمشاهدون في المسارح وقارئو القصص البوليسية .والطريقة الجديدة ابتدعها عالم النفس النمساوي الدكتور جاكوب مورينو ،وهي تستخدم في كثير من المعاهد من اهمها مستشفي اليزابيث الذي اقامتة الحكومه الامريكية بواشنجتون لعلاج الحالات العقلية . والدكتور مورينو يعلم مرضاه كيف يكتسبون التلقائية ، ليهتكوا تلك الاستار الداخلية الكثيفة حول عقولهم . ويطروا انفسهم من الوساوس والهواجس ، وهو يؤدي ذلك كلة علي مسرح خاص من تصميمه حيث يجعل آمرين خياليين يصدرون او امرهم الي بوليس سري ، ويتيح لضحايا الاضطهاد الخيالي ان يواجهوا اعداءهم ويتخلصوا من حقدهم الدفين .
 
والان تعال معي الي بيكون في تيويورك، حيث يقيم الدكتور مورينو علي ضفاف نهر الهدسون معهده الذي يطلق علية (( معهد التمثيليات النفسية ))وقاعة  التمثيل مصنوعة من خشب عار بلا طلاء ، بها مايقرب من سبعين مقعداً يشغلها المرضي واطباء النفس والممرضات . والمسرح دائري في مستويات ثلاثة ، وعلي جانبية عمودان ، والمستوي السفلي للمسرح ينساب مع ارضية القاعة التي يجلس فيها المشاهدون ، وليس هناك من ستائر او مناظر ، بل توجد فقط شرفة في نهاية المسرح تعمل بمثابة السماء ((للقديسين والملائكة والنبيين)) ويضاء المسرح بالاضواء التي تتفق مع مقتضيات القصة ، وقد ركز علي المسرح مصباح كبير يغمر الممثلين باضواء مختلفة ، فالابيض للحياة العادية ، والاحمر للمناظر الشريرة ولالزرق الهاديء للنجوي والتامل .
 
ويلتفت الدكتور مورينو الي الفتاة التي اوفدها الية احد المعاهد الطبية ، وقد شخصت حالتها (( جنون الاكتئاب النفسي )). وهذا يعني ان الفتاة تنتابها فترات من اليأس الاسود والعنف والدوافع النتحارية ، ويناديها الدكتور مورينو بلطف ((تعالي يا نانسي واجلسي بجانبي )) وتطيع الفتاة وتجلس بجواره فب اعلي المسرح ، فياخذ يدها ، ويربت في حنان الابوة ، ويبادلها حديثاً يشعرها بانة يصدق  كل كلمة تنطق بها ، وهي بالفعل صادقة فيما تقول ـ اللهم ما يخفية الحديث من بعض التفصيلات وما يلجأ  الية المراوغات . وان هي الا بضع دقائق حتي يكون مورينو قد جمع لنفسة عدداً قليلاً من الحقائق التي يحتاجها لكي يبدا العمل .    

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

التسميات

تطوير : مدونة المحترف للمعلوميات